الأحد، 9 يونيو 2013

لماذا يحرقون مصر

لماذا يحرقون مصر؟
آخر تحديث : Saturday 16 February 2013   08:45 مكة المكرمة
لماذا يحرقون مصر، ويبصقون في وجه ثورتها الحرّة الكريمة، ويهدمون صرحها العروبي 
حجرا حجرا، وينفثون فيها سموم الفتنة والخراب والدمار، ويطمسون حاضرها ومستقبلها، 
ويبتغون إعادتها إلى مجاهل العصور الوسطى؟!

لماذا ينقلبون اليوم على القيم 
والمبادئ الديمقراطية، وينسفون ثقافة ومفاهيم التعايش السياسي المشترك، ويشرّعون 
الفوضى والخراب، ويكرسون الفتنة والحقد والعداء بين الإسلاميين 
والعلمانيين؟!

لحظات حاسمة تعيشها مصر اليوم لجهة تجاوز الأزمة الأكثر خطورة 
في تاريخها الحديث، أو الانهيار الشامل والسقوط في براثن مخطط الفوضى والانقلاب على 
شرعية المبدأ وصندوق الاقتراع، والارتماء في أحضان المشروع الإسرائيلي الإقليمي 
الدولي الذي تلعب أصابعه الخبيثة في تفاصيل المشهد المصري من الألف إلى الياء. 


الانقلاب على القيم 
الديمقراطية

أول إفرازات سوء المشهد المصري الراهن تكمن في 
الانقلاب على القيم الديمقراطية، وإدارة الظهر للشرعية الانتخابية والدستورية، 
والازدراء التام لصندوق الاقتراع.

منذ اللحظة الأولى لفوز محمد مرسي 
بالرئاسة، علت الأصوات النشاز المشككة في النتائج، وارتفعت عقيرة البعض رفضا للواقع 
الجديد واتهاما للإخوان المسلمين بالرغبة في الاستحواذ على مؤسسات الدولة 
المصرية.

وما هي إلا أيام حتى بدأت نوايا السوء تتكشف شيئا فشيئا، فالبعض 
الذي راهن على فوزه بالرئاسة لم يستوعب -مطلقا- مشهد الخسارة، أو يرضخ لحكم صندوق 
الاقتراع الحامل للإرادة الشعبية، وأخذ في تصيّد الهفوات وتحيّن الفرص التي تخدم 
أجندته المصلحية الخاصة التي زخر بها الواقع المصري بفعل كثرة تقلبات وإشكاليات 
المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر في مرحلة ما بعد الثورة.
شهد الواقع السياسي المصري حالة غريبة من 
التقاء المصالح بين الفلول والعديد من رموز المعارضة الذين تخلوا عن لياقتهم 
السياسية، وأعملوا سيوفهم نهشا في الرئاسة والحكومة المصرية
وهكذا، شهد الواقع السياسي المصري حالة غريبة من التقاء المصالح بين الفلول 
والعديد من رموز المعارضة الذين تخلوا عن لياقتهم السياسية، وأعملوا سيوفهم نهشا في 
الرئاسة والحكومة المصرية وجماعة الإخوان بعيدا عن أي هدْي سياسي أو رؤية وطنية 
مستنيرة.

وعليه، تجلت أهداف تصاعدية ذات صبغة انتهازية استغلت العديد من 
المواقف المصرية الداخلية والقرارات الرئاسية بهدف تمرير مخططاتها لضرب شرعية 
الرئاسة الجديدة، وإدخالها في دوامة لا نهاية لها من الإرباكات والأزمات، لقصم 
ظهرها وإجبارها على رفع الراية البيضاء والتسليم بشروط المعارضة التي تتجاوز كل 
تقاليد السياسة ومبادئ العمل الديمقراطي المحكوم بنصوص القانون والدستور 
المصري.

ومن هنا لم يكن مستغربا أن يخرج من بين صفوف المعارضة من ينادي 
بإسقاط الرئيس المنتخب في سياق الاحتجاج على الإعلان الدستوري المكمل وإجراء 
الاستفتاء على الدستور، وكأنّ الرئيس قد احتل سدة الرئاسة بالقوة الغاشمة وليس عبر 
شرعية الصناديق والإرادة الشعبية، وأن تنحرف بوصلة خطاب قوى المعارضة إلى وجهة 
خطيرة تضع أجنداتها الخاصة المضادة للرئيس وجماعة الإخوان فوق كل القيم الديمقراطية 
والمبادئ الدستورية.

وعلى الرغم من محاولة بعض رموز المعارضة مداراة هجمتها 
غير المبررة على الشرعية الانتخابية والدستورية للرئيس بالزعم أن شرعيته باتت 
مجروحة بفعل الأحداث المتلاحقة التي تعصف بالواقع المصري، فإن أحدا لا يستطيع إخفاء 
حقيقة معركة إسقاط الرئيس والدستور ومجلس الشورى التي يستحثها تحالف المعارضة 
والفلول توطئة لإجراء انتخابات جديدة يأملون فيها حصد المغانم واستعادة النفوذ ولو 
على حساب الشعب المصري وثورته المباركة وقيمه الدستورية الأصيلة وتجربته 
الديمقراطية الوليدة.

لقد دعوا لاحترام أحكام القضاء حين تم حل مجلس الشعب 
بدعوى الالتزام بنصوص القانون، وكانوا أول من انقلب على القضاء حين أصدر أحكامه في 
أحداث بورسعيد، ودعوا للاحتكام إلى الإرادة الشعبية فلما خسروا معركة الدستور خلعوا 
أقنعتهم الزائفة، وها هم اليوم يجترحون سياسة الأرض المحروقة دون أن يهتز لهم قلب 
أو يطرف لهم جفن! 

نسف ثقافة التعايش 
المشترك

ثاني إفرازات السوء التي يفيض بها المشهد المصري الراهن 
يتمثل في نسف ثقافة ومفاهيم التعايش السياسي المشترك بين الفرقاء على الساحة 
المصرية.
من يعاين تفاصيل المشهد المصري الحالي الطافح بالصراعات الميدانية الدامية 
والخلافات السياسية الحادة المنفلتة من أي عقال قيمي أو سياسي أو وطني، يدرك أن 
إمكانيات التلاقي والوفاق الداخلي والتعايش المشترك قد أضحت أكثر صعوبة من أي وقت 
مضى، وأن نوازع النفور والاستقطاب الأعمى قد استحكمت في النفوس وطغت بشكل خطير على 
مجرى العلاقات السياسية والحزبية في الساحة المصرية.

لقد أثمرت الأحداث 
المتلاحقة في مرحلة ما بعد فوز مرسي بالرئاسة ثمارا بالغة السلبية طعنت أفكار 
الوفاق والتعايش المشترك بين فرقاء السياسة المصرية في العمق والصميم، وأحالت 
العلاقات السياسية والحزبية إلى فرز عميق واصطفاف خطير لا يستجيب لأي تقارب حقيقي 
أو بادرة حوار موضوعي.
السلوك السياسي والحزبي للمعارضة المصرية 
يقود مصر نحو حافة الهاوية، ويبدد أية فرصة حقيقية لإعادة لمّ الشمل الوطني وتضميد 
الجراح 
وما زاد الطين بلة، ورفع منسوب المخاطر والتحديات التي تهدد بالقضاء على ما تبقى 
من فرص الوفاق والتعايش المشترك، قيام جبهة المعارضة بتفصيل حوار وطني على مقاسها 
الخاص، وتمسكها بعدد من الشروط التعجيزية التي تريد من ورائها إجبار مرسي على 
التسليم بالهزيمة، وتحميله مسؤولية الدماء التي سالت خلال مدته الرئاسية، وإرغامه 
على تعديل الدستور وإقالة حكومة قنديل والنائب العام.

إن السلوك السياسي 
والحزبي للمعارضة المصرية يقود مصر نحو حافة الهاوية، ويبدد أية فرصة حقيقية لإعادة 
لمّ الشمل الوطني وتضميد الجراح، ويحرم المصريين من إعادة صياغة واقعهم المضطرب على 
أساس توافقي يضمن احتكام الجميع إلى برنامج القواسم المشتركة الذي تتعايش في ضوئه 
كل الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية المصرية.

ولئن انتصر تيار الفتنة 
والصراع في الساحة المصرية -لا سمح الله- فإن مصر التي عاشت تاريخيا في رحاب ثقافة 
التسامح والتعايش المشترك، وقدمت نماذج رائعة في حماية المجتمع المصري من غلواء 
وتطرفات المتنطعين، وأجندات الساسة ورجال الأعمال، مقبلة على مرحلة خطيرة يجللها 
السواد ويخيم عليها السير نحو المجهول. 

تشريع الفوضى والتخريب
ثالث 
إفرازات سوء المشهد المصري الراهن يتجلى في تشريع المعارضة لأشكال الفوضى والتخريب، 
وتوفيرها الغطاء السياسي للعصابات المجرمة والجماعات الخطيرة كي تفسد في الأرض 
وتعبث بالأمن والاستقرار الداخلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق