الجمعة، 23 أغسطس 2013

الرد علي فتوي علي جمعه

ماذا يخبرنا رسول الله عن حالة مصر بعد 30 يونيو؟

سألت نفسى: هل ينطبق هذا الحديث على حالة مصر بعد 30 يونيو: "إِذا بُوِيعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَافتُلوا الاَخِرَ مِنْهُمَا" على اعتبار أن الخليفة هنا هو ولى الأمر.
إن هذا الحديث الشريف يوضح لنا حقيقة أخرى وهى أن وجود المعارضة هى سنة الله فى عباده، فإن الخليفة الثانى مادام وجد من يبايعه فمعناه قطعا أن هناك فئة من الناس معارضة لا تريد الأول، تماما مثلما حدث مع مرسي، فقد وجدت الفئة المعارضة له، وهذا لا يبيح الخروج عليه.
وما حدث فى 30 يونيو هو خروج طائفة من الناس على ولي أمر انعقدت بيعته، فهم خوارج بهذا المعنى، ولم يكن جميع الناس ضده قطعا، بل طائفة وفرقة تم تقدير عددها جزافا بغير علم ولا تحقيق.

أما كون هذه الفئة من البغاة الذين خرجوا على ولى الأمر استعانوا بالعسكر، فهذا أمر متوقع متكرر فى التاريخ، لأن البغى هو الخروج بالسلاح، والعسكر هم من معهم السلاح الذى يمكنهم من الخروج على ولى الأمر.

وقد ذكر النبى صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الخارجين أن أحدهم إذا مات فإنه يموت ميتة جاهلية، حيث شببهم بأهل الجاهلية الذين لم يكونوا يحترمون وجود ولي الأمر، بل كانوا بمصطلح اليوم أحزابا تتصارع وتشكل جبهات وطوائف، كل طائفة تُغَالِبُ الأُخرى.

وهذا الحديث "إذا بويع لخليفتين" يوضح لنا معنى الحديث الآخر: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ" فقد نص رسول الله فى جميع روايات هذا الحديث الصحيحة والحسنة على كلمة "جميع" بالرفع لا بالنصب، ومعناها "وأمركم مجتمع على رجل انعقدت له ولاية الأمر وإن كان له مخالفون" كما هى سنة الله فى عباده.

وقد نقل مولانا الدكتور على جمعة عن رسول الله هذا الحديث بصيغة "إذا كنتم جميعا على رجل" فنصب كلمة "جميعا" وهى تعنى جميعكم لا مجموعكم، والحديث بهذه الصيغة يغير معنى كلام رسول الله، وهى كلمة لم ترد قط عن رسول الله فيما اطلعت عليه مما وصل إلينا من الحديث، رغم كثرة روايات هذا الحديث وتعددها واختلافها، فلم يرد فى أى منها أبدا "جميعا" التى استعملها مولانا، اللهم إلا أن يكون هذا حديثا موضوعا لم أقف عليه، أو صحيحا لم أعلم به، ولعله أراد الرواية بالمعنى، ولكن المعنى هكذا يتغير، ناهيك عن تكرار فضيلته للفظ جميعا فى كلامه على جهة التأكيد، فلا يكون هذا نقلا بالمعنى بل باللفظ، وهو لفظ لم يستعمله رسول الله فيما بلغنا.

وأما من ادعى بأن سواد وجمهور المصريين الذين بايعوا مرسى رئيسا للعباد والبلاد هم من جماعة معينة اسمها الإخوان المسلمون، فلعله يقصد أن أكثر الشعب المصرى من الإخوان المسلمين، لأنه معلوم أن فاز بغالبية أصوات الشعب، فهذا قول فى غاية السخافة. إنما انعقدت ولايته ببيعة وأصوات جمهور الناس وسوادهم لا ببيعة جماعة ولا عصابة أيا كانت.
وقد انعقدت ولاية رابع الخلفاء الراشدين سيدنا على بن أبى طالب رغم وجود المعارضة، ولعل الأغلبية التى حصلت فى بيعة مرسي لم تحصل فى بيعة سيدنا علي، أعنى فى عددها ونسبتها من الناس لا فى فضل من بايعوه، ولو كان عند معاوية رضى الله عنه طائرات مروحية لخرج والله بأروع الصور عن جيشة العرمرم ليريك ضخامة الحشود التى هى حشود بغاة خرجوا على ولى الأمر، ولهم تأويل ما، لكنهم بغاة، ولا يستحل أحد دم معسكر على بن أبى طالب لأنه هو ولى الأمر وليس هو الخارج عليه. 

وقد قال رسول الله: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ" قال الإمام ابن أبى جمرة فى شرحه: " الْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ السَّعْيُ فِي حَلِّ عَقْدِ الْبَيْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِذَلِكَ الأَمِيرِ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْءٍ ، فَكَنَّى عَنْهَا بِمِقْدَارِ الشِّبْرِ" أوليس بالله عليكم هذا هو ما فعلته جبهة الإنقاذ وحركة تمرد، لقد سعوا فى حل بيعة مرسى، ولولا أنه كان ولى الأمر والسلطة معه والأمر إليه والدولة فى سلطانه لما احتاجوا أصلا للسعى فى عزله عن ولايته. أليست كلمة تمرد فى ذاتها معناها الخروج على طاعة ولى الأمر، وهو عين ما نهانا عنه رسول الله؟ ولكننا لو قلنا لهم يومئذ: خروجكم عن طاعته محرم لقالوا: فأين حرية التعبير يا شيخ؟ واليوم يقول نفس الناس من جبهة الإنقاذ وتمرد للمارسى حرية التعبير ضد الانقلاب: حرية التعبير ليست حراما فقط ولكن من فعلها فدمه حلال.
وهذه سنة الله فى عباده: أن البغاة يلجأون لسفك الدماء لتثبيت أقدامهم والله مزلزلها. 

ثم نقول لمن استحل دماء المعارضين: هب أن السيسى هو ولى الأمر الذى انعقدت بيعته، وأن مرسى وأنصاره هم البغاة الذين خرجوا عليه بالسلاح، فهناك أسئلة:
أولا: قال رسول الله: "إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِر مِنْهُمَا" قال النووى فى شرح مسلم: "هَذَا مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَنْدَفِع إِلَّا بِقَتْلِهِ" فلماذا قتلتم يا أولياء الأمر كل هذا العدد العظيم من الناس عند الحرس الجمهورى، وفى رابعة وغيرها وقبلها وبعدها رغم أنه كان يمكن دفعهم بغير القتل، حتى بشهادة البرادعى الذى يصح فيه وشهد شاهد من أهلها فقد بين الرجل أن سفك تلك الدماء لم يكن ضرورة ولا الخيار الوحيد.

ثانيا: قد أمرنا الله بالإحسان حتى فى قتل الحيوان وحرّم المُثلة، فلماذا حرقوا أجساد بعض الناس بعد قتلهم، ولماذا امتنعوا عن إسعاف جريحهم بل ذففوا عليه، ورفض الإسعاف لإسعافهم والمستشفيات لاستقبالهم معروف للجميع، ومشايخنا فى الأزهر علمونا أن البغاة لا يذفف على جريحهم ولا يتبع مدبرهم. علما بأن كل هذا فيمن خرج على الإمام بالسلام لا بمجرد الكلام ولا الاعتصام. بل لو كان هؤلاء المعارضون حيوانات لكانت المثلة والتعذيب والقتل على ذلك النحو شيئا قبيحا فى دين الجمال والرحمة.

أسأل الله أن يوفق الشعب المصرى على اختلاف طوائفه وأحزابه وجماعاته ومعسكراته السياسية، وقد كثرت، أن يوفقهم لجمع كلمتهم وحقن دمائهم، وألا يزجوا بكلام رسول الله لاستباحة دماء بعضهم البعض. وأنا أبرأ إلى الله من كل قطرة دم سفك فى هذه الفتنة، وقد بينت هنا مستطاعى حكم الشرع الشريف.

وهذه الكلمات مني الآن ستكلفنى تكلفة كنت أتمنى أن أتفاداها لأنى قد لا أتحملها، والأخ علاء والأخت وفاء ليتهما سكتا منعا لإحراجى، ونحملهما المسئولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق