هناك بعض المواقف في السيرة النبويةتُذهل قراء زماننا المعاصر! منها مواقف نخوة الكافرين!
فنحن عندما نقرأ عن أبي جهل أو الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة أو غيرهم من رؤوس الكفر وقادته، نتخيل أنهم كانوا دومًا بلا نخوة ولا شهامة، وخاصة أنهم ليسوا مفسدين أو مجرمين فقط إنما يعبدون من دون الله أوثانًا، ولكن عندما ننظر إلى أخلاقياتهم في بعض المواقف نجدها أعلى بكثير من أخلاقيات أقوام ينتمون إلى الإسلام في زماننا الآن!
ما عدد المسلمين الذين قتلوا في مرحلة مكة المكرمة كلها؟ هل تدري أنهما اثنان فقط؟! وهما ياسر وسمية والدا عمار بن ياسر رضي الله عنهم جميعًا.. إن كل هذه الحرب من المشركين على المسلمين لم تخلِّف وراءها إلا شهيدين فقط على مدار ثلاثة عشر سنة كاملة، فما بالنا نرى المجرمين من المسلمين الآن يقتلون المئات من إخوانهم بدم بارد؟ هل فقدوا نخوة الكافرين الذين تحرَّجوا أن يقتلوا عددًا أكبر على مدار هذه السنين، مع أن الكثير من المسلمين آنذاك كانوا عبيدًا وموالي لا وزن لهم في المجتمع، لكن عملية إزهاق الروح كانت تحتاج من الكافر آنذاك إلى مراجعات كثيرة..
ونقرأ كذلك عن عمليات التعذيب التي تعرض لها المسلمون في مكة، ولكننا نجد أن التعذيب عندما توقف لم يترك أثرًا دائمًا على المعذبين، فقلما نجد منهم من فقد رجله أو يده، أو من اختل عقله، أو من أفضى به التعذيب الشديد إلى الموت، بينما نجد في زماننا الآن، وفي سجون المسلمين، من يفقد روحه نتيجة التعذيب، ومن يتعرض للإعاقة الدائمة في حياته بعد التعذيب والضرب، فأين نخوة الكافرين؟
هاجرت أم سلمة رضي الله عنها بمفردها من مكة إلى المدينة، فلقيها عند التنعيم على بعد خمسة كيلو مترات من مكة عثمان بن طلحة، وكان آنذاك مشركًا، فسألها إلى أين؟ فقالت إلى المدينة حيث زوجي، فقال لها مَنْ معك؟ قالت لا أحد إلا الله، ثم هذا الغلام، ابنها سلمة، وكان يبلغ من العمر عامين فقط، فقال لها: لا والله مالك من مترك! وأقسم أن يوصلها إلى المدينة، وسار بها بالفعل، وهي تركب الناقة، وهو يسير على قدميه مسافة خمسمائة كيلو متر حتى أوصلها إلى المدينة، ثم تركها وقفل عائدًا دون أن ينتظر كلمة شكر واحدة من زوجها أو من المسلمين!
أبو جهل يرفض أن يتسور بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفتشه عنوة بحثًا عنه يوم الهجرة، وذلك لكي لا يتحدث العرب أنهم دخلوا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة، فقد يكشفون ستر نسائه، وهذا لا يجوز في أعراف الكافرين.
المطعم بن عدي الكافر يجير رسول الله صلى الله عليه وسلم..
والوليد بن المغيرة الكافر يجير عثمان بن مظعون رضي الله عنه..
وابن الدغنة الكافر يجير أبا بكر الصديق رضي الله عنه..
والعاص بن وائل الكافر يجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه..
ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن جلس في الحديقة بعد أن قذفه أهل الطائف بالحجارة يَقْبل طبقًا من العنب قُدِّم له من كافر! مَنْ الذي قدَّمه؟ إنه أحد أكبر أعدائه، وهو عتبة بن ربيعة، ومعه أخوه شيبة بن ربيعة، وكانا يكرهان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفضان منهجه ودعوته ودينه، ولكن عندما رأوه حزينًا باكيًا "تَحَرّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا" كما تقول الرواية! لقد ذكرا ما يجمعهم من قرابة، ولو كانت بعيدة، فهما ليسا من نفس القبيلة، ولكن هذه هي نخوة الكافرين.
وفكَّ الحصار عن المسلمين في شِعْب أبي طالب خمسة من الكافرين، فما بال المسلمين الآن يحاصَرون في المساجد، ولا يجدون مسلمًا بنخوة الكفار يفك عنهم الحصار؟
أنا لا أقول هذا الكلام دفاعًا عن الكافرين، فهذه الأسماء التي ذكرتها كلها باستثناء عثمان بن طلحة، ماتوا على الكفر، وهم من أصحاب الجحيم، لكن الذي أتعجب له أن نخوة الصادين عن سبيل الله الآن من المسلمين صارت أضعف بكثير من نخوة الكافرين، بل لعلها انعدمت تمامًا!
فسِّروا لنا أيها المسلمون الذين تقتلوننا كيف تفعلون ذلك بدم بارد؟!
صارحونا كيف هانت عليكم أنفسكم حتى قبلتم لها هذا التدني في الخلق، وهذا الضعف في العقيدة؟
ألستم تدركون أنكم ستقفون بين يدي الله عز وجل يومًا يحاسبكم على ما اقترفتموه في حق أناس لا تعرفونهم أصلاً، بل قتلتموهم قتلاً عشوائيًا هكذا؟
ثم كيف وجدنا نخوة في الكفار لا نراها فيكم الآن!
اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا..
اللهم عليك بهم واحدًا واحدًا، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وافضحهم على رؤوس الخلائق أجمعين..
اللهم انصرنا عليهم في الدنيا، وخذ لنا حقنا منهم في الآخرة، وكبهم على وجوههم في الجحيم..
يارب لقد غرَّهم حلمك عليهم، واستهانوا بدمائنا وشبابنا، فأظهر لنا عظيم قدرتك عليهم، حتى لا تكون فتنة..
اللهم انصر المصلحين على المفسدين..
وانصر المؤمنين على المنافقين..
وانصر من يحملون كتابك على من يحملون السلاح في وجوه المصلين الصائمين..